عندما نقدم الشكر، تسترجع ذاكرتنا الفعل الذي أشعرنا بالرضا، وبالتالي نركز انتباهنا على الجوانب الجميلة في حياتنا.
أنوار الحفلات تنطفئ، لكنها تظل مشعة في ذكرياتنا . العديد من الهدايا، تجمع العائلة حول طبق شهي… عندما أفكر في كل هذا، أشعر بنوع من الحزن، لأن شيئا ما أوقف وهج هذه اللحظات السعيدة. هو أمر لا يشكل أي ضرر، لكنني أراه ضروريا. بعيدا عن الحكم عن أي كان، أريد أن أشارك معكم أفكاري.
تعود هذه القصة إلى ليلة 24 من دجنبر. كنا مجتمعين حول شجرة عيد الميلاد، وكان أبناء وبنات إخواني يفتحون الهدايا بسعادة عارمة. لكن بمجرد فتحهم لعلبة حتى يباشروا بفتح الثانية دون محاولة استكشاف محتوى الأولى؛ وهذا دون شكر الشخص الذي قدم الهدية. لم يظهروا امتنناهم ولو لمرة واحدة، الأمر الذي أحزنني كثيرا عليهم.
يتساءل الفيلسوف الفرنسي أندري كونت سبونفيل في كتابه “رسالة صغيرة في الفضائل الكبيرة” : “هل من فضيلة أكثر إسعادا وتواضعا، هل من خير أكثر سهولة وضرورة من الشكر؟”. فالامتنان يمكننا من استيعاب أن مصدر السعادة يأتي، ولو جزئيا، من الخارج وليس منا؛ إذ يخول لنا التواصل مع أمور أكبر من تجاربنا الفردية ويربطنا بقوة بالآخرين وبالأشياء التي نحب. وقد كان يعتبر الفيلسوف وعالم الاقتصاد آدم سميث أن الامتنان ضمانة للسلام في المجتمعات الإنسانية. أما إدوارد ويسترماك، فيرى أن الامتنان “رغبة في إسعاد من منحنا بعض السعادة”، وهو ما يسمى الغيرية المتبادلة. وكان يصر قبله شيشرون على أنه “من بين كل الفضائل، يبقى الامتنان أعظمها، أما لها جميعا”.
لكن، لا يجب أن يكون شخصنا لوحده مركز اهتمامنا، وإلا لن نفهم أنه لا يمكننا الحصول على كل ما نريد وأن كل ما نستمتع به هو هدية حقيقية تمنحنا إياها الحياة. فقد أظهرت مجموعة من الدراسات الحديثة في علم النفس أن التعبير عن الامتنان بشكل منتظم يجعل الشخص أقل قلقا وأقل قابلية للاكتئاب. فكلما كنا قادرين على الشكر كلما قلت لدينا مشاعر الحسد والإحباط والوحدة، كما ترتفع الثقة بالنفس، تخف الأعراض البدنية المؤلمة وتصير نادرة الحدوث، وتعزز القدرة على مواجهة الصعوبات.
عندما نقدم الشكر، تسترجع ذاكرتنا الفعل الذي أشعرنا بالرضا، وبالتالي نركز انتباهنا على الجوانب الجميلة في حياتنا، مما يؤثر إيجابيا على نظرنتنا لنفسنا، للآخرين وللعالم. وقد بين عالم النفس مارتين سيليكمان أن اعتراف المرء لنفسه بامتنانه للآخر، يرفع سعادته بنسبة أكبر بكثير من التعبير عنها كتابيا أو شفهيا. وهذا ما يجعلني أنصح مرضاي بكتابة رسائل امتنان بشكل منتظم، إلى أنفسهم، إلى شخص آخر، إلى الله، إلى الحياة. بتذكير الأطفال بهذا، فإننا نمنحهم أثمن هدية في الوجود.