تعتبر أمراض القلب والشرايين ثاني مسبب للوفاة بعد السرطان، ومن أبرز مسبباتها الدهون والكولسترول. لذا فإن فائض الدهون أو الكولسترول صار يعتبر مرادفا لصحة غير جيدة، وتتم معالجته باستعمال مختلف الأدوية وباتباع الحميات ضد الكولسترول. لكن هل هذا فعلا ضروري؟ هل الدهون والكولسترول عناصر مضرة فعلا بالصحة؟ هل تؤدي حقا إلى أمراض القلب والشرايين؟ وماذا عن العلاجات والحميات المضادة للكولسترول؟
ما الرابط بين الكولسترول وأمراض القلب والشرايين؟
خلال تنقله في الدم، يتعرض الكولسترول أحيانا لهجوم الجذور الحرة، وهي عبارة عن فضلات تنتج في حالة التوتر التأكسدي. تحول هذه العملية الكولسترول وتساهم في تشكيل مادة لزجة تسمى "اطيغوم". تشكل هذه الأخيرة مجموعة من الصفائح التي يمكن أن تسبب انسداد الشرايين مع الوقت. تتطور هذه الظواهر بشكل تدريجي، وفي غياب الوقاية والعلاج تؤدي إلى أمراض القلب والشرايين كالنوبات القلبية والشلل (السكتة الدماغية).
إذن فالتوتر التأكسدي هو العامل الذي علينا أن نبحث عنه ونعالجه، وليس الكولسترول الذي ليس إلا واحدا من ضحايا التوتر التأكسدي المختلفة كالحمض النووي… الكولسترول ليس هو المسؤول المباشر عن أمراض القلب والشرايين.
لماذا نتحدث إذن عن كولسترول جيد أو سيء؟
الكولسترول السيء هو الذي يسبب أمراض القلب والشرايين، بينما الجيد مفيد لنا. حقا؟ ماذا لو قلنا لكم إن هذا الكلام مناف للحقيقة؟ لا يوجد إلا كولسترول واحد يستعمل وسيلتين مختلفتين للتنقل. تسمى ناقلات الكولسترول هذه بالبروتينات الدهنية لأنها تتكون من الدهون والبروتينات، وقد تكون منخفضة أو عالية الكثافة. ذات الكثافة المنخفضة هي ما يسمى بالكولسترول السيء، وذات الكثافة المرتفعة ما يسمى بالكولسترول الجيد.
أي أنه لا يوجد إلا شكل واحد للكولسترول.
حسب كثافة الناقل، سيكون الكولسترول محميا جيدا أو لا من الهجمات (الجذور الحرة) خلال عبوره في الدم. فيكون "السيء" ضعيفا، وبالتالي أكثر قابلية للتأكسد مقارنة مع "الجيد" الذي يحظى بحماية جيدة. لا وجود للكولسترول السيء. كما أن الكولسترول لا يتوفر على أي شيء سيء.
لماذا إذن نتحدث عن خفض نسبة الكولسترول؟ هل ذلك مفيد للصحة؟
معالجة التوتر التأكسدي ليس مربحا لمختبرات صناعة الأدوية، وذلك لعدم إمكانية الحصول على براءة اختراع مضادات الأكسدة. لذا اضطرت هذه المختبرات لتعيين مسؤول عن أمراض القلب والشرايين يمكن استغلاله. في عالمنا المعاصر حيث تعتبر النحافة من أهم عوامل الجمال، صار بديهيا اعتبار الدهون مضرة بالصحة. لذا يمثل الكولسترول المتهم المثالي، وصار عامل الخطر الذي يجب محاربته بأي ثمن. كان يمكن أن لا نلاحظ هذا، إلا أن دور الكولسترول في أجسامنا ليس خاليا من الضرر، بل على العكس تماما.
الكولسترول؟ لم؟
الكولسترول هو الذي ينتج الهرمونات الستيرويدية؛ كالتستوستيرون لدى الرجال والأستروجين لدى النساء، إضافة إلى هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر وما يعرف ب"ديهيدرو إيبي أندروستيرون". إن خفض مستوى الكولسترول حسب المعايير المحددة من قبل المختبرات سيؤثر على الإنتاج الطبيعي للهرمونات الستيرويدية. والعواقب؟ توقف الطمث المبكر وبأعراض أكثر شدة لدى المرأة، ظهور ما يقابل "سن اليأس" لدى الرجال إضافة إلى العجز الجنسي، تراجع مقاومة التوتر وتسارع الشيخوخة. أليست هذه هي المشاكل الصحية "الجديدة" التي يعاني منها المجتمع المعاصر؟
يشكل الكولسترول أيضا واحدا من العناصر المتواجدة في الدماغ. لذا فإن التعرض في هذه الحالة لارتفاع اضطرابات الذاكرة والتركيز لا يجب أن يدهشكم.
"موازنة الهرمونات وتأخير الشيخوخة يتطلبان مراقبة الكولسترول بشكل سليم".
ما العمل إذن؟
- مكافحة التوتر التأكسدي لا تحمي الكولسترول فقط، بل تقي أيضا من العديد من الأمراض كالسرطان، كما تؤخر الشيخوخة.
- لا تحرموا نفسكم من الأطعمة الغنية بالكولسترول (اللحوم، صفار البيض، زيت الزيتون…). لكن احذروا من الإفراط فيها، والأهم أن تتبنوا أسلوب حياة صحي (ضرورة النشاط البدني).
- لا تمزجوا الكولسترول مع الدهون السيئة (المشبعة). ينصح بتفادي الدهون المشبعة، إلى حين إثبات العكس.
- ينصح بالخضوع لعلاج أو حمية ضد الكولسترول في بعض الحالات المرضية كالكبد الدهني. لكن من الضروري أن ترافق بعض القواعد هذا العلاج حتى لا يضر بصحتكم.
- اختاروا طبيبا واعيا بالموضوع. ينصح بإعادة التفكير قبل الخضوع لعلاج فائض الكولسترول بهدف وقائي.