مع التقدم في السن وخوض تجارب الحياة، نكتسب النضج. نفهم أن الحياة ليست إلا سلسلة تجارب تعطينا دروسا أبدية. تصير خياراتنا ورغباتنا واضحة أكثر، وتصبح مشاريعنا المستقبلية أكثر بساطة، إذ تختزل في الحصول على رفقة جيدة وحياة سعيدة وهادئة، بعيدا عن متاعب الحياة اليومية. لا نشعر بأي رغبة في إثبات قدراتنا وقيمنا للآخرين. نعلم جيدا من نكون.
مع التقدم في السن، نتعرف بسهولة على ما يناسبنا وما يزعجنا ونستقبل الحياة بسكينة أكبر، لأننا تعلمنا ملاحظة سلوكنا، إدراك عواطفنا وكيفية التحكم فيها. لا نشعر بالرغبة في إثارة إعجاب الآخرين؛ لأنه ليس لدينا ما نثبته. نؤسس حياتنا على الإيجابية ونتفادى السلبية بجميع أشكالها؛ إذ تزرع فينا طاقة مؤذية للجسم والروح. يصير عدد أصدقائنا قليلا ولا نحتفظ من حولنا إلا بالأشخاص القادرين على منحنا السعادة والمزاج الجيد.
أثبتت إحدى الدراسات أنه كلما تقدمنا في العمر، كلما اقتربنا من الناس أقل وبالتالي يحصى المقربون منا على أطراف الأصابع. وقد كانت هناك الكثير من المحاولات لتوضيح هذا الأمر.
نعطي الأولوية لما يهمنا نحن
الشباب يملؤنا بالحيوية ونشعر أننا نمتلك العالم وأن الحياة تنتظرنا لنعيش أحلامنا. بينما نفهم مع التقدم في السن أن الوقت ثمين؛ لذا نستغل كل دقيقة وكل ثانية للقيام بما نعتبره ضروريا. يقل اهتمامنا بالخروج ليلا وبالأماكن المكتظة. فيصير الاستمتاع مع أفراد عائلتنا أهم شيء بالنسبة لنا، وذلك بمنحهم الوقت للتبادل، وقت لا ينسى أبدا. ندرك أن الوقت يجري بسرعة خيالية، وينصب اهتمامنا على اللحظة الحاضرة مهما كانت قصيرة؛ نحاول تخليدها بالصور، نتذوق تلك اللحظات السحري بالعناق والألعاب؛ بلحظات سعادة قصيرة لكنها لا تنسى.
نتفادى الأشخاص المنافقين
لا يشكل النفاق جزءا من حياة الشيوخ، وتحل الصراحة محله سريعا. عوض قول جملة بلا فائدة لشخص لا نعرفه أو لا نحبه، نفضل أن نكون صرحاء لا لطفاء. كما يثير انتباهنا الأشخاص الصادقون في تصرفاتهم وكلامهم؛ أشخاص يضعون لمسة إيجابية في حياتنا.
نحترم حياة الآخرين
يعتبر الزمن والتجربة من أكبر الأساتذة في ما يخص معرفة الذات ومعرفة الآخرين. تعلمنا الحكمة كيف نتجاهل مشاكل وصراعات الآخرين التي لا تعنينا في شيء، وذلك لتفادي امتصاص طاقتهم السلبية، والتي لا يمكن إلا أن تؤثر علينا. كما يصير احترام حياة الآخرين مبدأ أساسيا؛ إذ ندرك سريعا أن المساعدة التي نرغب في تقديمها ستكون دون جدوى وبلا نتائج.
يقل عدد أصدقائنا
عند التقدم في السن، يختفي اهتمامنا ببناء صداقات جديدة. فبعد الانتهاء من الدراسة واتباع مسار الحياة الطبيعي، تصير أولوياتنا أكثر ارتباطا بالعائلة. نبحث عن الجودة لا عن الكم في ما يتعلق بالصداقة. نحاول بناء علاقات صحية بعيدا عن الاستغلال أو المصلحة الشخصية. ويمكن إسقاط هذا المثال حتى على فرد من العائلة أو زميل في العمل؛ شخص سلبي أو انهزامي، حتى تدركوا أن هذه العلاقة سامة فتتخلصوا منها.
نتقدم في السن بعد عبور الكثير من الطرق المتناثرة والتعثر بالكثير من المطبات؛ لكننا نخرج أقوياء، عازمين وبرؤية أكثر وضوحا للأمور. نتعلم التفريق بين الشخص الذي قد يضر بتوازننا وبالتالي علينا اقتلاعه من حياتنا إلى الأبد، وبين الشخص المليء بالطاقة الإيجابية والذي نتعلق به بكل قوانا.