الأمومة شعور رائع يمنحه لك أطفالك الذين هم زينة الحياة ويجعلون منها أسعد سنين عمرك. إلا أن معظم الأمهات لا يجربن هذه المشاعر بل على العكس من ذلك يعشن فترة من التوتر والضياع بين المسؤوليات المتعددة التي تقع على عاتقهن. فلماذا تشتكي الأمهات ومتى يصلن إلى حافة الانهيار ؟
أليست الأمومة أمرا رائعا ؟ فمما تشتكي الأمهات ؟ إذ لا يمكن لهن إلا أن يكن سعيدات بصغارهن الذين يغمرونهن حبا وحنانا. لكننا نلاحظ اليوم أن عددا متزايدا منهن بدأ بالخروج عن صمته والتعبير عن إرهاقه. نجد على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي شهادات واستطلاعات تكسر هذه الصورة النمطية. حيث تعبر الأمهات عن الإجهاد والإحساس بالذنب الدائمين.
معاناة كوني أما جيدة
بسبب الإجهاد، العزلة، مشاكل العلاقة الزوجية ونقص التضامن الأسري، سرعان ما يتحول حلم الأمومة إلى كابوس وتنكسر صورة الأم المثالية. فيصبح الصراخ والضرب والعدوانية جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية داخل المنزل. أين اختفت السعادة ؟ ماذا حل بالأم المثالية ؟ لم يتبق من كل هذا سوى انهيار ورغبة قوية في التخلي عن كل شيء.
تعاني العديد من الأمهات من إجهاد نفسي وجسدي في آن واحد، فأن تكوني أما جيدة ليس بالأمر الهين. الاعتناء بالطفل، تلبية حاجياته، متابعته الطبية والدراسية كلها صعوبات لا تقتصر على السنوات الأولى من حياته، بل هي تشكل فقط البداية. بينما نصرخ بمحاسن رضاعة الأم الطبيعية واستعمال الحفاضات القابلة للغسل، نجد أنفسنا على عكس ذلك نميل لوجبات الطفل الجاهزة والحفاضات ذات الاستعمال الواحد.
يشجع الكثير من الأطباء مبدأ الرضاعة الطبيعية والوجبات المحضرة منزليا لما لهما من منافع كثيرة على الأطفال. ولكن ماذا بخصوص النساء اللواتي يتقاتلن من أجل خلق توازن بين حياتهن الزوجية، العائلية والعملية ؟
الخوف من النقص العاطفي
في يومنا هذا يلاحق الشعور بالذنب الأم التي تسعى بجنون إلى الكمال. إذ تشعر بأنها تتخلى عن أطفالها عندما تذهب إلى العمل، ولا يرتاح ضميرها حتى في حال أعطت كل وقتها للاعتناء بمنزلها. هذا البحث عن الكمال يجعلها دائمة الشعور بعدم الرضى. كما أن نقص الامتنان من طرف المحيط العائلي والإحساس بأنها ليست في المستوى المطلوب قد يولد لديها شعورا بالإجهاد والإحباط. فقضاء معظم الوقت في تنظيف المنزل وتحضير وجبات شهية أو في اصطحاب أطفالها لحصة الرقص أو العزف على البيانو، يكون على حساب مسيرتها العملية.
تداول علم النفس وخاصة نظرية التعلق من خلال الصحافة النسائية، يولد عند الآباء شعورا بالذنب وخاصة عند بعض الأمهات اللواتي يخشين أن يكن السبب في الحرمان العاطفي لأطفالهن. فهن مقتنعات بأن مستقبل أطفالهن بين أيديهن كليا ولذلك يجب أن يفعلن المستحيل لأجلهم. من جهة أخرى، يعمل الآباء بجد من أجل إطعام أسرهم في ظروف اقتصادية صعبة.
الأطفال محور الاهتمام
أن يصبح الطفل محور الاهتمام في مجتمعنا اليوم يهدد قضية المرأة، تحررها وازدهارها. دعوة وسائل الإعلام للتعلق فقط بمصلحة الطفل تلعب دورا مهما في تحسيس الأمهات بالذنب.
يصر بعض علماء النفس على أنه من واجب الأم أن تكون متواجدة دائما إلى جانب طفلها وإعطائه كامل انتباهها إن كان أثناء تناوله الوجبات أو عند النوم. كما عليها أن تخصص وقتا للعب معه خلال النهار، وإن كان صغيرا تعريفه على كل المخاطر الموجودة في المنزل والتعبير بالكلمات عن جميع أفعاله.
إلى جانب ابتكار عقوبات وتبنى مواقف تربوية مدروسة للحد من اندفاعه.
هذا التوفر الدائم لا يأخذ بعين الاعتبار ضيق وقت الأمهات، ميزانيتهن أو مهنتهن، مما يشكل عبئا كبيرا على خياراتهن.
التنسيق بصيغة المؤنث
إن الضعوطات التي تعاني منها الأم ليست فقط نفسية، بل إنها ملموسة جدا. ويعلم الكثيرون أنها هي من تتحمل
مسؤولية الأعمال المنزلية الأساسية والاعتناء بالأطفال.
مشاركة الأب تكون غالبا غير كافية لذلك يقع عبء التنسيق على عاتق المرأة في العموم. وهذا يفسر بكون معدل نشاط الرجل وتطور مسيرته المهنية لا يتوقفان على كونه أبا أم لا. فيما يخص النساء، فالأمر أكثر صعوبة، خاصة أن الأمومة تجبرهن على الانقطاع عن العمل لفترات محددة. نشاطهن المهني يعتمد كثيرا على عدد وعمر أطفالهن.
أما بالنسبة للنساء ذوات الدخل المحدود فيواجهن عقبات مادية، بحيث أن نفقات رعاية الأطفال ستدفعهن لإيقاف عملهن مع عواقب لا مفر منها على حياتهن المهنية. على عكسهن، من الصعب على النساء الأطر، الحصول على دوام جزئي، كما أن أوقات العمل تكون غالبا
صعبة، لكن توفرهن على دخل مادي أكبر سيمكنهن من الحصول على المساعدة اللازمة فيما يخص أعباء المنزل ورعاية الأطفال.
ما هي الحلول الممكنة لمساعدة الأمهات ؟
في الحقيقة، لا توجد حلول سحرية، بل يجب توفير دعم مؤسساتي، وخاصة الحد من ضغط المجتمع على النساء، والذي يزيد من شعورهن بالذنب. كما يجب تطوير الصورة الاجتماعية للرجل من أجل دفعه للانخراط أكثر في دوره كأب. كل هذا التغيير لا يمكن وقوعه بين ليلة وضحاها، لذا وفي انتظار حصوله، يجب على النساء أن يبقين صامدات وأن يجتنبن الانهيار العصبي.