الضرب على اليد، على المؤخرة، الصفع… مازال الكثير من الأطفال يخضعون لهذه الممارسات في إطار تربيتهم. رغم أنها تبدو غير مؤذية، إلا أن هذه العقوبات لا تخلو من العواقب على نفسية صغاركم. لنقف عند هذا الوضع!
يصعب تصديق ذلك؛ لكن جزءا كبيرا من عنف الإنسانية الذي نراه اليوم، ينشأ بسبب المعاناة التي يلحقها المربون بالأطفال.
منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، كانت كل الإنسانية تقريبا تمارس الضرب، التوبيخ، العقاب وإهانة الأطفال. والأكثر من ذلك؛ فإن استعمال العصا يعتبر عاديا في بعض المؤسسات التعليمية بالمغرب، حيث يوجد اليوم %95 من الآباء والأمهات الذين يلجؤون إلى الصفع أو الضرب على المؤخرة.
الإنسانية أجمل من ما نعتقد
أثبتت الدراسات الحديثة حول تطور دماغ الأطفال وسلوكهم، أنهم يولدون بمهارات في التعامل مع الآخرين؛ وإذا احترمت هذه المهارات، فهي تجهزهم ليصيروا أشخاصا بالغين قادرين على التفاهم بصورة صحيحة مع قرائنهم.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع؛ فإن عدوانية الأطفال والعنف الصادر عنهم (العض، الضرب، الدفع) ليس السبب في كون الشخص عنيفا عندما يبلغ سن الرشد.
وقد أبانت دراسات بالكيبك أن هذه العدائية التي تظهر بين الشهر 18 والسنة الرابعة، تبلغ ذروتها عند السنتين والنصف أو الثلاث سنوات، ثم تتقلص بالتدريج إلى أن يبدأ الطفل في الحديث والتعبير عن مشاعره بطرق غير تحريك جسده؛ شرط أن لا يمارس الوالدان الضرب؛ ما سيجعل الطفل يعتقد أنها ممارسة طبيعية ولو كان بالغا!
عواقب العنف التربوي
يولد أي طفل مقلدا، يسجل بفضل العصبونات المرآتية كل السلوكات العنيفة التي تصدر عن والديه، ويستعد لإعادة إنتاجها فيما بعد.
عندما يكون الطفل شديد التعلق بوالديه ويتلقى الضرب منهما، يتعلم هذا الصغير أننا نستطيع أن نحب ونضرب الشخص الذي نحبه؛ وهو ما يؤدي إلى ظاهرة العنف الزوجي. ويلجأ بعض الأطفال إلى قمع أحاسيسهم بغرض التخفيف من معاناتهم، الأمر الذي قد يجعلهم يفقدون القدرة على التقمص العاطفي.
بفقدان هذا الكابح الفطري للعنف (المشاعر)، يمكن أن يصير هذا الطفل شخصا بالغا بلا رحمة، لا يبالي بمعاناة الآخرين.
ونضيف إلى كل ما سبق، أن الاعتياد على الخضوع، ليس للضمير أو للقانون، بل للعنف وللأشخاص الذين يمارسونه، هو أمر في غاية الخطورة؛ وذلك على المستوى الفردي (عدم القدرة على الرد على معتد عنيف سواء تعرفه الضحية أو لا)، وأيضا على المستوى الاجتماعي (الخضوع لقادة سياسيين عنيفين).
وفي ما يتعلق بالقولة المشهورة: “ضربة على المؤخرة لم تأذ أبدا أي أحد”؛ فقد أظهرت قصة جان جاك روسو منذ أكثر من 250 عاما أن ضربة واحدة على المؤخرة يمكن أن تجعل الطفل مازوشيا مدى الحياة (يحقق المتعة الجنسية من خلال تعرضه للتعذيب)؛ وهذا بسبب قرب النهايات العصبية للمؤخرة من الأعضاء الجنسية. لماذا لا نعي إذن أننا عندما نضرب طفلا على مؤخرته، فإننا نعرض حياته الجنسية للخطر؟
لا يعاني كل من تعرض للضرب من نفس النتائج؛ لأن العاطفة التي تبديها أغلب العائلات بعد العقاب تقلل من هذه الآثار. لكن غالبية ضحايا العنف التربوي مقتنعون بفكرة متناقضة؛ أساسها أن ضرب الأطفال وإهانتهم مسألة طبيعة، رغم أنه لو صدر نفس السلوك في حق شخص بالغ، فسيكون ذلك مبررا كافيا لتقديم شكاية.
لنضع حدا للعنف التربوي
لا تعرف الحيوانات ولا مجتمعات الصيد وجمع الثمار أي شيء عن العنف التربوي، ما يعني أنها ممارسة غير طبيعية. تطورت هذه العادة في فترة معينة من تاريخ الإنسانية، كالعديد من الممارسات الوحشية (العبودية، استئصال أعضاء جسم الإنسان، التعذيب…) التي اعتبرها الإنسان ضرورية لحسن سير المجتمع، تماما كما نعتقد اليوم أن العنف ضروري لإصلاح الأطفال.
تم اعتبار المعارضين لهذه السلوكيات التاريخية أشخاصا مثاليين وخطرين على المجتمع، إلى أن اعترف العالم أنهم كانوا على حق، وأننا لا نفهم كيف بلغنا ذلك المستوى من القسوة والجفاء. لا شك في أن نفس الشيء سيحدث مع العنف التربوي؛ خاصة أن الأصوات المناهضة له قد بدأت تعلو.
احترام الأطفال واحترام الطبيعة
ممارسة العنف ضد الأطفال يرتبط بممارسته ضد الطبيعة؛ إذ أن احترام هذه الأخيرة يبدأ باحترام الآخرين. تعرض الشخص لسوء المعاملة يصعب عليه أبسط الأشياء؛ الاستمتاع بوجوده من خلال حواسه، مشاعره، علاقته بالآخرين وبالطبيعة. عندما يحرم من هذه السعادة البسيطة، يبحث عن تعويضات؛ سواء في مختلف أنواع الإدمان (الكحول، المخدرات…)، أو في جوانب أخرى من حياته؛ كالامتلاك، السلطة، والمظاهر التي تعد وسائل الآلة الاقتصادية والمالية الحديثة، والتي تدمر المحيط الحيوي.
تنتج ممارسة العنف عن التعرض له. إذا تلقى أطفالكم الحب والاحترام، فسيحترمون الآخرين ويحترمون الطبيعة.