ينقذ طب القلب الحديث وكل تقنياته حياة الكثيرين، غير أن الطب التقليدي قد لا يكون الطريق الوحيد نحو الشفاء.
لا يمكن وضع التقدم التكنولوجي الذي بلغه الطب موضع شك؛ فإذا أصبتم بنوبة قلبية، ستتم إغاثتكم باستعمال "آلات" معينة – أجهزة الصدمات الكهربائية – ليعود النبض إلى قلبكم فورا. لكن هل بإمكان طب القلب الرجوع إلى بداية حياتكم ليصف لكم ما قد ينقذكم على المدى البعيد؟ غالبا، لا. لهذا، من الجيد وضع الأمور في نصابها الصحيح: قام مجال صناعة الأدوية بتوجيه طب القلب الحديث إلى تعامل قائم على زيادة جرعة العلاج بحجة الأرقام المرتفعة للمرضى… كما هو الحال بالنسبة لداء السكري والكولسترول.
لكن، هل يكفي خفض مستوى سكر في الدم لدى المصابين بالسكري أو مستوى الكولسترول لتفادي الإصابة باحتشاء عضلة القلب؟
لنعد الأمور إلى نصابها
تلعب مختبرات صناعة الأدوية دورا كبيرا في أخذ القرارات المتعلقة بنوع الدواء الذي يجب وصفه وعدد جرعاته، وكذا بوحدة القياس التي تحدد إن كان مستوى الكولسترول مرتفعا جدا أو وضع السكري خطيرا. فهل يمكن لكل هذا أن يحمي صحة قلبكم؟ هل يمكنه وقايتكم من الإصابة بنوبة قلبية حادة أو باحتشاء عضلة القلب؟ طبعا لا، فإذا كان على المصابين بالسكري أو بارتفاع مستوى الكولسترول في الدم القلق على قلبهم، سيكون ذلك راجعا لأسلوب حياتهم الذي تسبب في ظهورهما والذي يمكن أن يشكل خطرا على صحة قلبهم: فالأسباب هي نفسها. التغذية السيئة، انعدام النشاط البدني والجلوس لفترة طويلة في اليوم، إضافة إلى عوامل خارجية أخرى كالتوتر أو القلق، ستضطركم إلى تناول الدواء لحماية أنفسكم، دون التغيير في عاداتكم اليومية. في هذه الحالة، ستستفيدون من العلاج، لكن ماذا عن أسلوب حياتكم؟ وخير مثال على ذلك، كون ارتفاع مستوى الكولسترول بنسبة تتراوح بين 2 و3 غرامات لا يعني بالضرورة ارتفاع خطر الاحتشاء، وهو الأمر الذي لا يحب الكثير من الأطباء الاعتراف به عندما نحلل أرقام الكولسترول لدى اليابانيين نلاحظ أنه رغم ارتفاعها الكبير، فإن نسبة إصابتهم بأمراض القلب تقل 4 مرات عن دول الغرب. وقد قام بعض الباحثين المستقلين بدراسة هذه الأرقام في مناطق أخرى ليخلصوا إلى أن تناول الأدوية المخفضة للكولسترول غير مفيد، إن لم يكن خطرا، نظرا لآثارها الجانبية العديدة.
ما هو الخطر الأكبر؟
يرى العديد من المختصين أن ارتفاع ضغط الدم يأتي على رأس اللائحة فيما يخص خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. فمثلا، ضغط الدم يفوق 16 مم زئبقي أمر خطير، لكن ممارسة بعض العادات السيئة يمكن أن تؤدي أيضا إلى ارتفاع الضغط: كالتبغ، التوتر وتناول الأغذية الغنية بالدهون. ما العمل إذا في هذه الحالة بالذات؟ لا يجب الاكتفاء بالحل المتجلي في العلاج بالأدوية، بل من الأفضل تغيير أسلوب حياتكم على المدى الطويل بالاتفاق مع طبيبكم المعالج. يمكنكم مثلا تقليص جرعة الأدوية الخافضة لضغط الدم في أفق التوقف عنها نهائيا، وتبني عادات صحية جديدة. هكذا، ستتخلصون من الآثار الجانبية للدواء، وسيستفيد قلبكم من مزايا نظام حياة صارم وصحي أكثر.
ماذا عن الشرايين؟
غالبا ما لا نهتم بصحة الشرايين إلا عندما تصاب بالتضيق، ما يؤدي إلى خطر الإصابة بتجلط الدم. يتمنى الأطباء حمايتنا من ظاهرة تضيق الشرايين، لكن وليومنا هذا، لا يوجد أي علاج يمكن أن يشفي من هذا المشكل، فالأطباء لم يستطيعوا التوصل إلى سبب بيولوجي معين لتدهور الشرايين.
وقد ثبت أيضا أن كل تلك النظريات حول كون التدخين هو السبب خاطئة، لكنها بينت أن تضيق الشرايين ظاهرة في غاية التعقيد وتنتج عن عوامل مختلفة. وبما أنه لا وجود لعلاج طبيعي، يظل الحل الوحيد هو الاهتمام بتوازن وانسجام كامل الجسم لحماية شرايينه!
وليومنا هذا، لا يوجد أي علاج يمكن أن يشفي من مشكل تضيق الشرايين، فالأطباء لم يستطيعوا التوصل إلى سبب بيولوجي معين لتدهورها
ما يمكن فعله لوقاية أنفسكم
هل تعلمون أن الطبيعة وضعت نظاما في غاية الدقة لإنقاذ حياتكم في حال كانت شرايينكم على وشك الانسداد؟ أجل، يستطيع جسمكم لوحده أن يقوم بنوع من الجراحة المجازة الطبيعية وإذا كان وضعكم خطرا، فإن الطبيب الجراح سيضع "قنطرة" ليتمكن الدم من الدوران دون صعوبة لإنهاء انسداد الشريان المصاب… غير أن الجسم المعتاد على ممارسة الرياضة بانتظام سيكون قادرا على خلق شبكة شريانية صغيرة لتفادي الشريان المسدود.
الحل إذا هو الرياضة، فممارستها قادرة فعلا على إنقاذكم. وحتى إذا أصبتم بالاحتشاء، فإن قلبكم سيقاوم بشكل أفضل إذا كنتم معتادين على القيام بتمارين رياضية منتظمة. عندما يكون الجسم معتادا على بذل المجهود تكون نسبة استهلاكه للأوكسجين قليلة، الأمر الذي قد ينقذ حياتكم. غير أنه لا وجود لتحليل أو لطبيب يخبركم بهذا أو يستطيع قياس قدرتكم على إنقاذ نفسكم. الخلاصة؟ انتبهوا إلى جودة طعامكم ومجهودكم البدني اللذين يظلان من أفضل المؤشرات على صحة قلبكم.
فما العمل ؟ تستطيعون مثلا قياس مدى خطر إصابتكم بالاحتشاء من خلال العناية بمحتوى صحتكم ومدة حصصكم الرياضية الأسبوعية، كما يمكنكم الانتباه إلى عوامل أخرى تؤثر بشكل كبير على صحتكم ومقاومة قلبكم كالتبغ، الاستهلاك المفرط للكحول، المواد الملوثة، التوتر المزمن وجودة النوم.
ما هو النموذج الذي يجب اتباعه؟ أسلوب حياة الإنسان البدائي، فإنسان العصر الحجري لم يكن يعاني من السمنة ولا من السكري، الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم.